الجمعة، 17 يوليو 2009

شبابنا.. هيا إلى المعالي


الشباب هم عماد الدعوات، وقوام النهضات، إن حملوا رسالةً نشروها، وإن آمنوا بدعوة أظهروها، ولست تجد أمةً في التاريخ نهضت بعد كبوةٍ، أو قويت بعد ضعف، أو عزَّت بعد ذلٍّ، إلا بعد أن تمتلئ نفوس شبابها برسالةٍ واضحةٍ، فيقدموا أنفسهم وقودًا لنشر رسالتهم، وفداءً لعزة أمتهم.

ولنا الأسوة والقدوة في سير الشباب الذين عايشوا القرآن والسنة واستلهموا الخير منهما فعاشوا بهما ودافعوا عنهما وبذلوا كل حياتهم من أجل هذا الدين، دون أن يمنعهم ذلك مما أحله الله في الحياة الدنيا. ولو تتبعنا سِيَرَ هؤلاء لوجدنا منهم في السلف الصالح وفي الأيام الحاضرة ما يحتاج إلى آلاف المجلدات، هذا ممن عُرِفوا والأخفياء أكثر.. فكان منهم المبشرون بالجنة والرواة للحديث والفقهاء.

وفي مقدمة هؤلاء عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- الذي كان أكثر الصحابة فتوى وأوسعهم فقهًا، حتى كان عمر رضي الله عنه يُجلسه وهو شاب صغير مجالسَ الكبار منهم أهلِ بدر وغيرِهم، ويقول: إن له لسانًا سؤولاً وقلبًا عقولاً، وتبعه في الفقه وكثرة الفتوى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وكان من المشهورين بالعلم والفقه معاذ بن جبل رضي الله عنه، والذي كان ابن بضع وعشرين حين أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن مفتيًا وقاضيًا، وكان حين أسلم ابن ثمانيَ عشرةَ سنة، وشهد بيعة العقبة، ولقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أعلمُ الأمة بالحلالِ والحرام، وكان أحد المفتين في حياةِ النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد حفظة القرآن الكريم كاملاً في حياة النبي.

ومن هؤلاء الفقهاء زيد بن ثابت، الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أفرضُ المسلمين، أي أنه أعلمهم بالفرائض، وكان أحد الذين حفظوا القرآن كله في حياة الرسول- صلى الله عليه وسلم- ثم حمَّله أبو بكر- رضي الله عنه- وهو ابن واحد وعشرين سنة مسئوليةَ جمع القرآن فكان أهلاً لها، وأما فقيهة النساء عائشة رضي الله عنها فكانت في الثامنةَ عشر من عمرها حين تُوفي النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان الصحابة يرجعون إليها فيما أُشكل عليهم، وما سألوها عن شيء إلا وجدوا عندها علمًا وفقهًا.

وكان من قادة الجيوش وحملة الألوية سعد بن أبي وقاص، وهو ابن بضع وعشرين سنة، وكان علي بن أبي طالب ابن ثلاثٍ وعشرين سنة حين حمل لواء النبي صلى الله عليه وسلم، لقد فتح الله على أيديهم فتوحاتٍ عظيمةً، ولقد بُعث أسامة بن زيد وهو دون العشرين على رأس جيشٍ فيه أبو بكر وعمر قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

وهكذا فهم شباب الصحابة والسلف الصالح طبيعة دورهم وحقيقة رسالتهم، فانطلقوا يحملون الرسالةَ على هدى ويسيرون بها على بصيرةٍ، حتى طبَّقوا في الآفاق دعوة الحق ونشروا الدين في ربوع الأرض وحققوا لأمتهم النصرَ والتمكينَ في كل مكان.

وهذا هو الأمر الذي يجب أن يستمسك به شبابُنا، فيتخذوا من هذا النفر الكريم من الشباب قدوتَهم ويجعلوا من هذه السيرة الشامخة لهذا الجيل عنوانًا لهم ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ (الأنعام: من الآية 90).

ولعل هناك من يقول: هؤلاء ربَّاهم رسول الله فمن يكن لنا؟! إن من يراجع تاريخنا ويبحث عن قادة الجهاد فينا وعن العلماء سيجد الكثيرَ والكثيرَ في جميع المجالات، فمنهم الباذل نفسَه في سبيل الله والمضحي بنفسِه ونفيسِه أمام العدو، مدافعًا عن أمة الإسلام، ومنهم الذي أمضى عمرَه في طلب العلم وتعليمِه، ومنهم البارع في الفنونِ المختلفةِ، ومنهم القاضي الشجاع، ومنهم المحتسب، ومنهم المربِّي، ومنهم الرَّحَّالة، وجميعهم باذلون للمال مضحُّون بالأخلاق العالية عابدون زاهدون قائمون ساجدون، يسعَون طوال النهار ويقومون الليل، كما وُصفوا: "فرسان النهار رهبان الليل".

ومن أمثلة هؤلاء عمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه- والإمام النووي ومالك والشافعي وأبو حنيفة والإمام الجنيد والعز بن عبد السلام سلطان العلماء، وصلاح الدين الأيوبي محرِّر القدس والمسجد الأقصى، ومحمد الفاتح فاتحُ القسطنطينية وغيرهم كثير.

وفي عصرنا الحديث كان الإمام حسن البنا- رحمه الله- مؤسس دعوة الإخوان المسلمين لا يتجاوز عمره اثنين وعشرين عامًا، ومات وعمره ثلاثة وأربعون عامًا، ولقد خلَّف وراءه دعوةً حملت الإسلام في هذا العصر وأبعدت عنه الشبهاتِ وجاهدت وما زالت بكلِّ أنواع الجهادِ وتتلقَّى السهامَ من كلِّ صوب صابرةً محتسبةً ذلك في سبيل الله، وعلى طريق هذه الدعوة سارت قافلةٌ من الشباب شهداء يبتغون ما عند الله عز وجل ويرجون جنته ورضوانه.

واليوم نرى جيلَ الأمل.. هذه الآلاف من الشباب ذكورًا وإناثًا الذين يحملون هذه الدعوةَ المباركةَ ويعملون من أجل نصرةِ دينهم ونهضةِ أمتهم، إن هذا الجيل الطيب بُعِث في أمةٍ ظنَّ أعداؤها أنها قد ماتت وأنهم قد انتهَوا من تشييع جنازتها، ولكنَّ الله ناصر جنده، وإن هذا الجيل يمثِّل جيلَ أملٍ بإعادةِ الحق إلى الأرض، والله متم نوره ولو كره الكافرون.

إن واقع الأمة الإسلامية الأليم يحتاج إلى همم الشباب، وعزائم الرجال، وحكمة أولي الألباب، وتضحيات الشهداء.. نسأل الله العظيم أن نكون منهم.. اللهم آمين، فهيا أيها الشباب إلى المعالي.